كشفت «مضايا» عوراتنا
هزت الصور التي نشرت لمجاعة الناس في مدينتي «مضايا» و «يقين» السوريتين والوضع المأساوي لأهاليهما أطفالا ونساء وشيوخا كل الضمائر الحية، فقد اعتدنا على أن مثل هذه الكوارث تصنعها الطبيعة، فيقف الناس أمامها عاجزين لا حول لهم ولا قوة، ولكن هذه المرة صنعتها أيدي طغاة ومجرمين ممن تجردوا من الإنسانية، وتمادوا فيها بمبررات شيطانية في حقيقتها أطماع وغفلة من غضب الله.
لقد أطبقوا الحصار على أُناس أبرياء، ونسوا يد الله الباطشة، وأنه سبحانه يغار على خلقه، وراح كل فريق يبرر أفعاله، فريق يبرر باستقرار الدولة، وآخر بالثورة وحقوق الناس، ونسوا أن الوقود الحقيقي لكل هذه النيران التي أشعلوها هم الضعفاء.
ماذا حدث؟.. هل أصبحنا بلا قلوب؟.. هل عجزنا حتى أن نكون مثل الحيوانات التي باتت اليوم أكثر إنسانية في تعاملها؟.. هل نحن أمة القيم السامية والمنهج المحمدي؟.. أم ضللنا وأضللنا أنفسنا ومن حولنا؟.. هذه أمور قد تحتاج إلى إيضاح، أما مشهدنا اليوم فهو جلي واضح، فكل من ساهم في هذه المذابح والمجازر والحصار أيا كان فهو قاتل لا يمت للإنسانية بصلة، وإذا ما نظرنا إلى هؤلاء نجد أن كلا منهم يرمي التهم على غيره، وربما أمكنه خلط الحقيقة على البشر، أما رب البشر فعليم خبير مطلع سبحانه، حليم وإذا أخَذَ أخَذَ أخْذ عزيز مُقتدر.
فليحذر الجميع، فهذا مشهد له ما بعده، فما رأينا وسمعنا قطعا لا يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فدعوة المظلوم وأنين الجائع وبكاء الأم على ابنها يهتز لها عرش الرحمن: (وَاتَّقُوا فِتْنَة لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال/25) ونبرأ إلى الله من كل ما فعلوا ونسأله الرحمة والرأفة بعباده.
إننا جميعا مسؤولون أمام الله، صحيح قد لا نعلم الحقائق كأناس عاديين، ولكن الواقع جلي وأنه ظلم وتعد، فلا ينام أحدنا إلا وقد سلط سهام الليل على من ظلم وجنى وتعدى، ويسأل القصاص وطلب الرحمة لهؤلاء الضعفاء، ويشد من أزرهم، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضا»(متفق عليه)، وعلينا كمؤمنين أن نتمثل قول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث كل بحسب قدرته في إطار الشرع ووحدة الصف للمسلمين، لا بعشوائية خلط الأدوار ولنتبع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن رأى مِنكُم مُنكرا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ. وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ» (صحيح مسلم).
علما بأن الاستطاعة لا تكون بالقوة العضلية أو الحمية أو الانفعال، ولكن بالامتثال لتصريف الله في الكون، الذي سيسأل العالم عن علمه، والحاكم عن سلطانه، وكل حسب ما أولاه، ولنقر في أنفسنا كيف وصلنا بالتطرف وعشوائية التعاطي مع الدين وهذا المنهج السامي وتفسيره على الهوى، وتسخيره للمطامع طلبا للمكاسب الدنيوية، وليس لرضى الله سبحانه وتعالى إلى الحال الذي نحن عليه، فهذا لا يرضيه سبحانه ولنتضرع إليه تعالى أن يدلنا على الأخذ بالأسباب التي ترشدنا إلى صلاح أحوالنا وستر عوراتنا والله غالب على أمره.