ولا تفرقوا
ابتليت الأمة في السنوات الأخيرة بالتجاذبات والاستقطاب على أسس مذهبية أو طائفية وبدعوات تكفيرية مزقت نسيج المجتمعات، وجعلت آفة التصنيف والإقصاء تصل حتى للأسر، وأصبحنا أمام مشهد مختلط، الجامع الأساسي فيه هو البعد عن المنهج الإلهي الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن الدين سماحة وسلام، وإصلاح للناس في أمور معيشتهم، وتعاطيهم مع إخوانهم المسلمين وغير المسلمين من شعوب الأرض.
وقد أكرم الله المسلمين بهذه الرسالة المحمدية، وجمعهم على «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فنجد نبينا يعلمنا كيف نتعامل بما جاء في القرآن من أخوة بين أهل هذه الكلمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).. تأكيدا على هذه الأخوة وحقوقها، وأنها ركيزة عرى المجتمع الإسلامي.
وقد رأينا رسول الله يعاتب سيدنا أسامة بن زيد وهو الحب ابن الحب عندما مكنه الله من عدوه في ساحة القتال فشهد أن لا إله إلا الله ثم قتله سيدنا أسامة لتقديره أنه ما قالها إلا خوفا من الموت، وكان موقف الرسول حاسما معه، وجاءت كلمته معلية لهذا المعنى العظيم وهذا الحصن المنيع: (يا أسامة! أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!) (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!). فنفهم من هذا أن هذه الكلمة العظيمة تفرض حقوقا فورية لمن لاذ بها، فمن استظل بها لا يملك أحد إخراجه إلا هو سبحانه وتعالى عالم السر وأخفى.
وقد رأينا كلمة حق ومشعل نور في فتوى الأزهر الشريف بعدم تكفير الطوائف المختلفة من المتطرفين، مع التأكيد على إدانة وتجريم الأفعال والمعاقبة عليها.
وهذا منهج نبوي عمل به الصحابة رضوان الله عليهم فقد جاء عن رسول الله وهو يخبر عن المستقبل (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) إشارة إلى تواجده في الفتنة التي ستحدث بعد وفاة رسول الله، فوصف الفئة التي خرجت على سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه بالبغي أي الظلم.
وأكد سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه هذا المعنى، فرفض أن يصف من خرجوا عليه بالكفر أو النفاق، وقال: (إخواننا بغوا علينا)، مؤكدا على أن أخوة لا إله إلا الله عروة وثيقة لا نملك حلها، وإنما نتعاطى مع المواقف بما يجب لها من الأحكام حتى لو أخذنا على يد الباغي بالقوة أو حكم عليه بالقتل، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله).
فيجب أن نقتدي بهذا المنهج النبوي الذي يندبنا إلى نبذ التشدد، ونعي أن آراءنا في المسائل الدينية هي فهم نعتقد صحته ويحتمل الخطأ، لأننا بشر لا عصمة لنا، مع التأكيد على حرية الفكر والتحليل والاستنباط والاجتهاد في الفهم بالضوابط العلمية، فاحتكار الحقيقة دعوى باطلة حتى من الناحية الفكرية.
والأمة في حاجة إلى لم الشمل ورأب الصدع، ليس بفرض الرأي أو حمل الناس على فهم واحد، وإنما بسعة ورحابة المنهج الإسلامي بأن يقبل بعضنا البعض، ونقارع الفكر بالفكر والحجة بالحجة، طالبين رضا الله سبحانه وتعالى، بعيدين عن هوى النفوس الذي يبرر لكل منا تعديه على إخوته المسلمين.
أما التغيير باليد فهو منوط في الشريعة الإسلامية بأولي الأمر ومن في حكمهم كالقضاة مثلا، ولعل السعار الذي نراه في عالمنا الإسلامي من التكفير واستباحة الدماء من مختلف الفرق، هو نتاج لسوء فهم هذه القضية.
فعظمة هذا المنهج جعلته نظاما متسقا متوازنا، فكل مكلف فيما أولاه الله، فالمرأة في بيتها، والرجل في أهله ومسؤولياته في العمل والمجتمع، والعالم أو المفكر والداعية وكذلك صاحب الخلق الرفيع مكلفون برسم المنهج عمليا ليقتدى بهم، وقد جاء في الأثر: (ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام)، فلكل فرد دور متسق مع نظام المجتمع الإسلامي.
ولا يجب أن نغفل عن الدعاء، فدعاؤك للأمة ولإخوتك في ظهر الغيب وطلب الرحمة والصلاح والرضا والاستقامة لهم من أعظم الأدوار، فلا يستهين أي منا بدوره، وليحرص أن يقوم به على وجه يرضي الله تعالى.
ومختصر القول إن هدفنا هو جمع الكلمة على حرية الفكر المنضبطة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، برسالة التنوير التي تظهر عظمة هذا المنهج الرباني الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده برحمته لصلاح دنياهم وأخراهم.
والأمر جلل والخطوب كبيرة والتحديات جسام، لكن الله على كل شيء قدير، فعلينا السعي والأخذ بالأسباب والتوفيق بيده عز وجل.
ما بين غمضة عين وانتباهتـها
يغيـر الله من حال إلى حال
«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».